27 يوليو 2008

(مَطَرْ) بدر شاكر السياب









عيناك غابتا نخيل ساعة السحر

او شرفتان راح ينأى عنهما القمر

عيناك حين تبسمان تورق الكروم

وترقص الأضواء .. كالأقمار في نهر

يرجه المجداف وَهْناً ساعة السحر

كأنما تنبض في غوريهما النجوم

وتغرقان في ضباب من أسى شفيف

كالبحر سرّح اليدين فوقه المساء

دفء الشتاء فيه و ارتعاشة الخريف

و الموت و الميلاد و الظلام و الضياء

فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء

و نشوة وحشية تعانق السماء

كنشوة الطفل

إذا خاف من القمر

.

كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم

وقطرة فقطرة تذوب في المطر

وكركر الأطفال في عرائش الكروم

ودغدغت صمت العصافير على الشجر

أنشودة المطر

.

مطر

مطر

مطر

.

تثاءب المساء و الغيوم ما تزال

تسح ما تسح من دموعها الثقال

كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام

بأن أمه التي أفاق منذ عام

فلم يجدها

ثم حين لج في السؤال

قالوا له

" بعد غد تعود"

لابد أن تعود

و إن تهامس الرفاق أنها هناك

في جانب التل تنام نومة اللحود

تسف من ترابها و تشرب المطر

كأن صيادا حزينا يجمع الشباك

يلعن المياه

و ينثر الغناء حيث يأفل القمر

مطر

مطر

أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟

وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟

و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟

بلا انتهاء

كالدم المراق

كالجياع

كالحب

كالأطفال

كالموتى هو المطر

ومقلتاك بي تطيفان مع المطر

وعبر أمواج الخليج تمسح البروق

سواحل العراق بالنجوم و المحار

كأنها تهم بالبروق

فيسحب الليل عليها من دم دثار

.

اصيح بالخيلج :

يا خليج

يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى

فيرجع الصدى

كأنه النشيج

يا خليج

يا واهب المحار و الردى

.

أكاد أسمع العراق يذخر الرعود

و يخزن البروق في السهول و الجبال

حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال

لم تترك الرياح من ثمود في الواد من اثر

أكاد اسمع النخيل يشرب المطر

و اسمع القرى تئن

و المهاجرين يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع

عواصف الخليج و الرعود ،

منشدين

مطر

مطر

مطر

.

وفي العراقِ خوفٌ و جوع

وينثر الغَلال فيهِ مَوسم الحَصاد

لِتَشْبع الغربان و الجراد

و تطحن الشوّان و الحجر

رحى تدور في الحقول

حولها بَشَرْ

مطر

مطر

مطر

وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع

ثم اعتللنا - خوف أن نُلام - بالمطر

مطر

مطر

و منذ أن كنا صغارا

كانت السماء تغيم في الشتاء

و يهطل المطر

وكل عام - حين يعشب الثرى- نجوع

ما مر عام و العراق ليس فيه جوع

مطر

مطر

مطر

في كل قطرة من المطر

حمراء أو صفراء من أجنة الزهر

و كل دمعة من الجياع و العراة

وكل قطرة تراق من دم العبيد

فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد

او حُلُمَةٌ تَوَرَّدت على فَمِ الوليد

في عالم الغد الفتي واهب الحياة

مطر

مطر

مطر

((سَيُعْشِبُ العِراقُ بالمَطَرْ))

.

أصيح بالخليج :

" يا خليج "يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى

فيرجع الصدى

كأنه النشيج

يا خليج

يا واهب المحار و الردى

وينثر الخليج من هباته الكثار

على الرمال

رغوه الاجاج والمحار

و ما تبقى ن عظام بائس غريق

من المهاجرين ظل يشرب الردى

من لجة الخليج و القرار

و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق !

من زهرة يربها الفرات بالندى

و اسمع الصدى يرن في الخليج

مطر

مطر

مطر

في كل قطرة من المطر

حمراء أو صفراء من أجنة الزهر

وكل دمعة من الجياع و العراة

وكل قطرة تراق من دم العبيد

فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد

أو حلمة توردت على فم الوليد

في عالم الغد الفتي "واهب الحياة "

ويهطل المطر

.

.

.



بدر شاكر السياب




لله درك يا بدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيكم مرآة أرواحكم